فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}
قرا الأعمش وابن وثاب {ولا تقتّلوا} بتضعيف الفعل، وهذه الآية نهي عن الوأد الذي كانت العرب تفعله، وهو قوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت} [التكوير: 8]، ويقال كان جهلهم يبلغ أن يغدو أحدهم كلبه ويقتل ولده، و{خشية} نصب على المفعول من أجله، والإملاق الفقر وعدم الملك، أملق الرجل لم يبق له إلا الملقات وهي الحجارة العظام الملس السود، وقرأ الجمهور: {خِطْئًا} بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمز والقصر، وقرأ ابن عامر: {خطئًا} بفتح الخاء والطاء والهمزة مقصورة، وهي قراءة أبي جعفر، وهاتان قراءتان مأخوذتان من خطىء إذا أتى الذنب على عمد، فهي كحذر وحذر ومثل ومثل وشبه وشبه اسم ومصدر، ومنه قول الشاعر: البسيط:
الخطء فاحشة والبر نافلة ** كعجوة غرست في الأرض تؤتبر

قال الزجاج يقال خطىء الرجل يخطأ خطأً مثل أثم إثمًا فهذا هو المصدر وخطأ اسم منه، وقال بعض العلماء خطىء معناه واقع الذنب عامدًا، ومنه قوله تعالى: {لا يأكله إلا الخاطئون} [الحاقة: 37]، وأخطأ واقع الذنب عن غير تعمد، ومنه قوله تعالى: {إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]، وقال أبو علي الفارسي: وقد يقع هذا موضع هذا، وهذا موضع هذا، فأخطأ بمعنى تعمد في قول الشاعر: [الوافر]
عبادك يخطئون وأنت رب ** كريم لا يليق بك الذموم

وخطىء بمعنى لم يتعمد في قول الآخر: [الكامل]
والناس يلحون الأمير إذا همُ ** خطئوا الصواب ولا يلام المرشد

وقد روي عن ابن عامر: {خَطأً} بفتح الخاء وسكون الطاء وهمزة، وقرأ ابن كثير: {خِطَاء} بكسر الخاء وفتح الطاء ومد الهمزة، وهي قراءة الأعرج بخلاف، وطلحة وشبل والأعمش وعيسى وخالد بن إياس وقتادة والحسن بخلاف عنه، قال النحاس ولا أعرف لهذه القراءة وجهًا، وكذلك جعلها أبو حاتم غلطًا. قال أبو علي الفارسي: هي مصدر من خاطأ يخاطىء وإن كنا لم نجد خاطَأ ولا كنا وجدنا تخاطأ وهو مطاوع خاطأ، فدلنا عليه، فمنه قول الشاعر: المتقارب:
تخاطأت النبْل احشاءه ** وخر يومي فلم أعجل

وقول الآخر في صفة كماة: الطويل:
تَخَاطَأَه القنّاصُ حتى وجدته ** وخرطومه في مَنْقَع الماء راسب

فكأن هؤلاء الذين يقتلون أولادهم يخاطئون الحق والعدل، وقرأ الحسن فيما روي عنه: {خَطَاء} بفتح الخاء والطاء والمد في الهمزة قال أبو حاتم: لا يعرف هذا في اللغة، وهو غلط غير جائز وليس كما قال أبو حاتم، قال أبو الفتح: الخطاء من اخْطَأت بمنزلة العطاء من أعطيت، هو اسم يعني المصدر، وقرأ الحسن بخلاف {خَطًا} بفتح الخاء والطاء منونة من غير همز، وقرأ أبو رجاء والزهري {خِطًا} بكسر الخاء وفتح الطاء كالتي قبلها، وهاتان مخففتان من خطأ وخطاء، وقوله: {ولا تقربوا الزنى} تحريم.
و{الزنى} يمد ويقصر فمن قصره الآية، وهي لغة جميع كتاب الله، ومن مده قول الفرزدق: الطويل:
أبا حَاضر من يزن يعرف زناؤه ** ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكّرا

ويروى أبا خالد، والفاحشة ما يستتر به من المعاصي لقبحه، و{سبيلا} نصب على التمييز، التقدير وساء سبيله سبيلًا، أي لأنه يؤدي إلى النار، وقوله: {ولا تقتلوا} وما قبله من الأفعال جزم بالنهي، وذهب الطبري إلى أنها عطف على قوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا} [الإسراء: 23] والأول أصوب وأبرع للمعنى، والألف واللام التي في {النفس} هي للجنس، و{الحق} الذي تقتل به النفس هو ما فسره النبي صلى الله عليه سلم في قوله: «لا يُحل دمَ المسلم إلا إحدى ثلاث خصال، كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس أخرى».
قال القاضي أبو محمد: وتتصل بهذه الأشياء هي راجعة إليها، فمنها قطع الطريق، لأنه في معنى قتل النفس وهي الحرابة، ومن ذلك الزندقة، ومسألة ترك الصَّلاة لأنها في معنى الكفر بعد الإيمان، ومنه قتل أبي بكر رضي الله عنه منعة الزكاة، وقتل من امتنع في المدن من فروض الكفاية، وقوله تعالى: {مظلومًا} نصب على الحال، ومعناه بغير هذه الوجوه المذكورة، والولي القائم بالدم وهو من ولد الميت أو ولده الميت أو جمعه وأباه أب، ولا مدخل للنساء في ولاية الدم عند جماعة من العلماء، ولهن ذلك عند أخرى، والسلطان الحجة والملك الذي جعل إليه من التخير في قبول الدية أو العفو، قال ابن عباس والضحاك. وقال قتادة: السلطان القود، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم: {فلا يسرف}بالياء، وهي قراءة الجمهور، أي الولي لا يتعدى أمر الله، والتعدي هو أن يقتل غير قاتل وليه من سائر القبيل، أو يقتل اثنين بواحد، وغير وذلك من وجوه التعدي، وهذا كله كانت العرب تفعله، فلذلك وقع التحذير منه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أعتى الناس على الله ثلاثة، رجل قتل غير قاتل وليه، أو قتل بدحل الجاهلية، أو قتل في حرم الله»، وقالت فرقة: المراد بقوله: {فلا يسرف} القاتل الذي يتضمنه الكلام، والمعنى فلا يكن أحد من المسرفين بأن يقتل نفسًا فإنه يحصل في ثقاف هذا الحكم، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: {فلا تسرف في القتل} بالتاء من فوق، وهو قراءة حذيفة ويحيى بن وثاب ومجاهد بخلاف والأعمش وجماعة، قال الطبري: على معنى الخطاب للنبي عليه السلام والأئمة بعده، أي فلا تقتلوا غير القاتل.
قال القاضي أبو محمد: ويصح أن يراد به الولي أي فلا تسرف أيها الولي في قتل أحد يتحصل في هذا الحكم، وقرأ أبو مسلم السراج صاحب الدعوة العباسية، {فلا يسرف} بالياء بضم الفاء على معنى الخبر لا على معنى النهي، والمراد هذا التأويل فقط.
قال القاضي أبو محمد: وفي الاحتجاج بأبي مسلم في القراءة نظر، وفي قراءة أبي بن كعب: {فلا تسرفوا في القتل إن ولي المقتول كان منصورًا} والضمير في قوله: {إنه} عائد على الولي، وقيل على المقتول، وهو عندي أرجح الأقوال، لأنه المظلوم، ولفظة النصر تقارن أبدًا الظلم كقوله عليه السلام: «ونصر المظلوم وإبرار القسم» وكقوله: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» إلى كثير من الأمثلة: وقيل على القتل، وقال أبو عبيد على القاتل لأنه إذا قتل في الدنيا وخلص بذلك من عذاب الآخرة فقد نصر، وهذا ضعيف بعيد المقصد، وقال الضحاك هذه أول ما نزل من القرآن في شأن القتل وهي مكية. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خَشية إِملاق} قد فسرناه في [الأنعام: 151].
قوله تعالى: {كان خِطْئًا كبيرًا} قرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {خِطْئا} مكسورة الخاء ساكنة الطاء مهموزة مقصورة.
وقرأ ابن كثير، وعطاء: {خِطاءً} مكسورة الخاء ممدودة مهموزة.
وقرأ ابن عامر: {خَطَأً} بنصب الخاء والطاء وبالهمز من غير مدٍّ.
وقرأ أبو رزين كذلك، إِلاَّ أنه مَدَّ وقرأ الحسن، وقتادة: {خَطْئًا} بفتح الخاء وسكون الطاء مهموز مقصور.
وقرأ الزهري، وحميد بن قيس: {خِطًا} بكسر الخاء وتنوين الطاء من غير همز ولا مَدّ.
قال الفراء: الخِطء: الإِثم، وقد يكون في معنى {خَطَأ} كما قالوا: قِتْبٌ وقَتَبٌ وحِذْرٌ وحَذَرٌ ونِجْسٌ ونَجَسٌ، والخِطء، والخِطاء، والخَطَاء، ممدود: لغات.
وقال أبو عبيدة: خَطِئْتُ وأَخْطَأْتُ، لغتان.
وقال أبو علي: قراءة ابن كثير: {خِطاءً}، يجوز أن تكون مصدرَ {خاطأ} وإِن لم يسمع خاطأَ ولكن قد جاء ما يدل عليه، أنشد أبو عبيدة:
الخِطءُ والخَطء والخَطاء

وقال الأخفش: خَطِئ يَخْطَأُ بمعنى أَذْنَبَ وليس بمعنى أَخطأَ، لأن أخطأ فيما لم يصنعه عمدًا، تقول فيما أتيتَه عمدًا: خَطِئْتُ وفيما لم تتعمده: أخطأتُ.
وقال ابن الأنباري: الخِطء: الإِثم، يقال: قد خَطِئَ يَخْطَأُ: إذا أثم، وأَخْطَأ يُخْطِئُ: إِذا فارق الصواب.
وقد شرحنا هذا في [يوسف: 91] عند قوله: {وإِن كنا لخاطئين}.
قوله تعالى: {ولا تقربوا الزنا}
وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، والحسن: بالمد.
قال أبو عبيدة: وقد يمد {الزنا} في كلام أهل نجد، قال الفرزدق:
أبا حَاضِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِناؤه ** ومَنْ يَشْرَبِ الخُرْطُوْمَ يُصْبِحْ مُسَكَّرا

وقال أيضًا:
أخضبتَ فِعْلَك للزِّنَاءِ ولم تَكُنْ ** يَوْمَ اللِّقَاءِ لتَخْضِبَ الأبْطَالا

وقال آخر:
[كانت فريضةُ ما تقول] كَمَا ** كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيْضَةَ الرَّجْمِ

قوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله} قد ذكرناه في [الأنعام: 151].
قوله تعالى: {فقد جعلنا} قال الزجاج: الأجود إِدغام الدال مع الجيم، والإِظهار جيد بالغ، إِلاَّ أنَّ الجيم من وسط اللسان، والدال من طرف اللسان، والإِدغام جائز، لأن حروف وسط اللسان تقرب من حروف طرف اللسان.
ووليُّه: الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه، فإن لم يكن له وليٌّ، فالسُّلطان وليُّه.
وللمفسرين في السُّلطان قولان.
أحدهما: أنه الحُجَّة، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الوالي، والمعنى: {فقد جعلنا لوليه سلطانًا} ينصره ويُنْصِفه في حَقِّه، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {فلا يُسرف في القتل} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: {فلا يسرف} بالياء.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالتاء.
وفي المشار إِليه في الآية قولان.
أحدهما: أنه وليُّ المقتول.
وفي المراد بإسرافه خمسة أقوال.
أحدها: أن يَقتُل غير القاتل، قاله ابن عباس، والحسن.
والثاني: أن يقتُل اثنين بواحد، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: أن يقتُل أشرف مِن الذي قُتل، قاله ابن زيد.
والرابع: أن يمثِّل، قاله قتادة.
والخامس: أن يتولى هو قتل القاتل دون السلطان، ذكره الزجّاج.
والثاني: أن الإِشارة إِلى القاتل الأول، والمعنى: فلا يسرف القاتل بالقتل تعدّيًا وظلمًا، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {إِنه كان منصورًا} أي: مُعانًا عليه.
وفي هاء الكناية أربعة أقوال.
أحدها: أنها ترجع إِلى الولي، فالمعنى: إِنه كان منصورًا بتمكينه من القَوَد، قاله قتادة، والجمهور.
والثاني: أنها ترجع إِلى المقتول، فالمعنى: إِنه كان منصورًا بقتل قاتله، قاله مجاهد.
والثالث: أنها ترجع إِلى الدم، فالمعنى: إِن دم المقتول كان منصورًا، أي: مطلوبًا به.
والرابع: أنها ترجع إِلى القتل، ذكر القولين الفراء. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} فيه مسألتان:
الأولى:
قد مضى الكلام في هذه الآية في الأنعام، والحمد لله.
والإملاق: الفقر وعدم الملك.
أملق الرجل أي لم يبق له إلا الملَقات؛ وهي الحجارة العظام المُلْس.
قال الهُذَلِي يصف صائدًا:
أتِيحَ لها أقَيْدِرُ ذو حَشِيف ** إذا سامَتْ على الملَقَات سامَا

الواحدة مَلَقة، والأقَيْدر تصغير الأقدر، وهو الرجل القصير، والحَشِيف من الثياب: الخَلَق، وسامت مرّت، وقال شَمِر: أملق لازمٌ ومتعدٍّ، أملق إذا افتقر، وأملق الدهر ما بيده.
قال أوْس:
وأَمْلق ما عندي خطوب تَنَبَّلُ

الثانية:
قوله تعالى: {خِطْئًا} {خطأ} قراءة الجمهور بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمزة والقصر، وقرأ ابن عامر: {خَطَأً} بفتح الخاء والطاء والهمزة مقصورة، وهي قراءة أبي جعفر يزيد.
وهاتان قراءتان مأخوذتان من {خطىء} إذا أتى الذنب على عمد، قال ابن عرفة: يقال خَطِىء في ذنبه خَطَأ إذا أثِم فيه، وأخطأ إذا سلك سبيلَ خطأ عامدًا أو غير عامد، قال: ويقال خَطِىء في معنى أخطأ.
وقال الأزهري: يقال خَطِىء يخطأ خِطْئًا إذا تعمّد الخطأ؛ مثلُ أثِم يَأثم إثمًا.
وأخطأ إذا لم يتعمّد، إخطاء وخطأ.
قال الشاعر:
دَعِيني إنما خطَئي وصَوْبِي ** عليّ وإنّ ما أهلكتُ مالُ

والخطأ الاسم يقوم مقام الإخطاء، وهو ضدّ الصواب.
وفيه لغتان: القصر وهو الجيد، والمدّ هو قليل.
وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {خَطْأً} بفتح الخاء وسكون الطاء وهمزة.
وقرأ ابن كَثير بكسر الخاء وفتح الطاء ومدّ الهمزة.
قال النحاس: ولا أعرف لهذه القراءة وجهًا، ولذلك جعلها أبو حاتم غلطًا.
قال أبو عليّ: هي مصدر من خاطأ يخاطىء، وإن كنا لا نجد خاطأ، ولكن وجدنا تخاطأ، وهو مطاوع خاطأ، فدلنا عليه؛ ومنه قول الشاعر:
تَخَاطَأت النَّبْلُ أحشاءَه ** وأَخَّر يومِي فلم أَعْجَلِ

وقول الآخر في وصف مَهاة:
تخاطأه القَنّاص حتى وجدتُه ** وخرطومُه في مَنْقع الماء راسبُ

الجوهري: تخاطأه أي أخطأه؛ وقال أوْفَى بن مطر المازني:
ألاَ أبلغا خُلّتي جابرًا ** بأنّ خليلك لم يُقتَل

تخاطأت النّبل أحشاءه ** وأخَّرَ يومي فلم يَعْجَل

وقرأ الحسن {خَطَاء} بفتح الخاء والطاء والمد في الهمزة.
قال أبو حاتم: لا يعرف هذا في اللغة وهي غلط غير جائز.
وقال أبو الفتح: الخطأ من أخطأت بمنزلة العطاء من أعطيت، هو اسم بمعنى المصدر، وعن الحسن أيضًا {خَطًى} بفتح الخاء والطاء مُنوّنة من غير همزة.
{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} فيه مسألة واحدة:
قال العلماء: قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى} أبلغ من أن يقول: ولا تزنوا؛ فإن معناه لا تدنوا من الزنى.
والزنى يمد ويقصر، لغتان.